إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

15 يناير، 2012

جرافات الصيد.. مخاوف تتجدد على البحر الأحمر





كثيرا ما تنطلق شكاوي الصيادين المحليين في عدة مناطق على ساحل البحر الأحمر, تشكو من التصديق لجرافات صيد من دول الجوار لصيد الأسماك, وفي مناطق مثل مناطق تلا تلا, برموسا, وغيرها, كلما شاهد الصياديون جرافة علت الشكوى, ومن الجهة الأخرى بالطبع يعلو صوت التحذيرات من المهتمين بالبيئة خوفا من تبعات هذا النوع من الصيد, ويقولون (يكفي ما يهدد موارد ساحل البحر من تسرب الزيوت وإزالة أشجار المانجروف وغيرها من المخاطر التي تهدد البيئة البحرية بالساحل السوداني).


على خلفية ما جرى في بحيرة النوبة:


بغض النظر عن وجود جرافات صيد الأسماك الآن على ساحل البحر الأحمر أم لا, فإن قضية الجرافات, وكما أثيرت من قبل في بحيرة النوبة في شمال السودان تثار في ولاية البحر في حاضرتها بورتسودان أو في مناطق تجمعات الصيادين ومناشط المهتمين بالبيئة البحرية أيضا, وهي في مجملها أصوات تبحث عمن يزيل الهواجس من خطر التدهور البيئي الذي من شأنه حدوث تدهور في الحياة البحرية وكائناتها.
فالمنطقة الواقعة جنوب سواكن والممتدة إلى حوالي 800 كيلومتر هي المنطقة التي سمح فيها في السابق بعمل الجرافات على أن يسمح فيها بصيد أنواع محددة من الأسماك, واتضح لاحقا أن الجرافات لم تلتزم بتلك الموجهات, وعلى ضوء ذلك اعتبر بعض الخبراء أن المنطقة تم استنزافها بالصيد الجائر, وبالفعل صدر قرار بإيقاف الجرافات عن العمل, غير أنها عادت للعمل مرة أخرى وبقرار أيضا مما أعاد هاجس المخاوف لدى المختصين, كما أن عودة الجرافات للعمل قوبلت بتجدد شكاوى الصياديين المحليين.

هلاك البحر:

والقصة التي يرويها البعض تقول إن لكل جرافة- مراكب صيد كبيرة وحديثة - مصدق لها بالعمل وكيلا بالخرطوم يتسلم 2 ألف دولار مقابل فرصة عمل الجرافة بالساحل السوداني,

عمر محمد علي مواطن يعمل صيادا في إحدى مناطق الصيد على الساحل السوداني منذ العام 2000 اكتفى بتلخيص انزعاجه من عمل الجرافات بسواحل البحر الأحمر بقوله: (الجرافات هلكت البحر هلاك), وقال بعفويه تجربته كصياد (لاحظنا بعد دخول الجرافات للعمل في صيد الأسماك أن الكمية التي كنا نصطادها تراجعت بشكل غريب)..
ويقول صيادون تقليديون إن رحلة الصيد والممتدة إلى أسبوع تراجعت حصيلتها من 250 كيلو من الأسماك إلى أرقام ضئيلة, ليلتقط القفاز صياد آخر بقوله: (قضينا في البحر أكثر من أسبوعين ولم نعد إلا بـ130 كيلو من الأسماك, ورغم كل ذلك نضطر إلى بيع الأسماك بسعر لا يتجاوز السبعة جنيهات للسماسرة بسوق السمك وبدورهم يبيعونه بضعف السعر ولا عزاء لنا كصياديين, وفي نفس الوقت لا خيار أمامنا إذ لا يوجد منفذ آخر للبيع سوى السماسرة), كما يشكو الصياديون هناك من أن الجرافات تصطاد أسماكا صغيرة في مواسم تكاثرها مما يهدد مستقبل المخزون السمكي في المستقبل القريب.



والمخاوف حول مستقبل المخزون السمكي بالبحر الأحمر دفعت بنا إلى توجيه سؤال إلى

د. حسن عبد العاطي خبير التنمية في قضايا شرق السودان؟

والذي بدوره أرجع أزمة الموارد البحرية إلى العام 1998 حينما واجهت اتحاد الصيادين مشكلة تبريد الأسماك, ويضيف د. حسن والخبير في قضايا التنمية وجغرافيا شرق السودان عن خطر الجرافات بالبحر الأحمر وأثرها على الصيادين المحليين بقول دارج


(البحر مثل الغنماية لو حلبت بواسطة شخص واحد ستنتنج رطلا من البن ولو حلبها عشرة لن تنج أكثر من ذات الرطل)

, ويرى أن سياسة زيادة مراكب الصيد التي اتبعتها حكومة الولاية ليست حلا, وأنه لا خيار سوى التفكير في البحث عن منافذ تسويق للأسماك في الأسواق الداخلية المجاورة, وأضاف قائلا


(مشكلتنا أننا نمنح تصاديق للصيد دون دراسات وافية للموارد والبحر لا يختلف عن الأرض ومواردها, والموارد البحرية تأثرت فعلا بحركة الاستثمار والعمران, بجانب الحركة التجارية).. ويرى د. عبد العاطي أن الموارد السمكية مهددة بعدة عوامل في مقدمتها الاستنزاف عن طريق طرق الصيد الحديثة, وأغلب هذا النوع من الاستثمار يبحث عن تحقيق الأرباح دون الالتفات إلى تعويض الضرر البيئي, والعامل الثاني هو التلوث الناتج عن صناعة البترول وحركة البواخر).


العودة إلى ما هو مجرب:


أحد الناشطين في العمل المدني بالبحر الأحمر قال إن تجربة عمل الجرافات في منطقة أربعات بولاية البحر الأحمر قبل سنوات محدودة كشفت عن حجم الأضرار التي لحقت بالبيئة البحرية, والتي تتمثل في نقص الموارد والاخلال بالتوازن البيئي, مما دعا إلى ضرورة وجود جهة تعنى بالرصد البيئي وتنبيه السلطات, كما يجب الاستعانة بمنظمات البيئة في العالم لمعرفة ودراسة واقع التنوع الإحيائي بالبحر الأحمر.. ويرى بروفيسور عبد القادر دفع الله المدير السابق لجامعة البحر الأحمر ومدير معهد أبحاث الأسماك التابع للجامعة حاليا أن الجرافات مشكلة متجددة وسبق إيقافها بقرار من وزير الزراعة بالولاية في العام 2006م,


ودعمت ذلك القرار اللجنة الوطنية لحماية البيئة البحرية- التي كان يرأسها بروفيسور عبد القادر نفسه- بعد وصول شكاوى عن جرافات مصرية... وتشير الحقائق إلى أن الجرافات عملت في صيد الأسماك في السابق في عدة مناطق فمثلا المنطقة الواقعة جنوب سواكن وهي حوالي ( 800 كيلومتر) سمح للجرافات بالصيد فيها لأنواع محددة من الأسماك, لكن اتضح لاحقا أن تلك الجرافات ارتكبت مخالفات مما قاد لاستنزاف موارد الأسماك بالمنطقة, وتم إيقاف الصيد هناك لعامين بناء على شكاوى عديدة, ولاحقا تقرر أن لا يتم التصديق إلا لعدد 12 جرافة فقط.

دراسات مفتقدة:


بروفيسور عبد القادر دفع الله رئيس لجنة عمل الجرافات بالولاية في العام 2006 يضيف بأن الجرافات تعمل بين فترة وأخرى في صيد الأسماك داخل المياه السودانية, وأكمل (الجرافات التي تعمل لابد أن تتم عليها رقابة مع أنني استبعد الاهتمام بهذا الأمر). ويبدي بروفيسور عبد القادر دفع الله أسفه من عدم وجود دراسات علمية حول المخزون السمكي بالساحل السوداني على البحر الأحمر, ويضيف قلقا (هذه الدراسات أهم عنصر سيما ما يخص الأنواع المهددة بالانقراض من الأسماك مثل أسماك الناجل.. للأسف آخر دراسة للمخزون السمكي أجريت في العام 1975 تقريبا), ويؤكد خطورة تداعيات الفجوة المتزايدة في الأبحاث والدراسات الخاصة بالموارد البحرية بالساحل السوداني, التي على أساسها يمكن وضع السياسات.


ذات القلق ساور د. طه الطاهر المجلس الأعلى للبيئة والموارد بولاية البحر الأحمر لدى لقاء لي معه قبل أشهر بمكتبه بمقر المجلس والذي عبر بقوله (يقلقني عدم إجراء دراسة لمخزون الموارد- لا يمكن الحديث عن موارد بدون معلومات), وقال إنه يمكن الإشارة إلى أن هناك مشكلة في الموارد, وليس هناك خيار الآن سوى الاعتماد على الصيادين كجرس إنذار أول, كما على الجهات المعنية مثل إدارة المصائد ومعهد أبحاث الأسماك الاهتمام بمسألة الدراسة.. يجب أن نهتم بالأمر, فواجبنا الأول هو معرفة مواردنا وحمايتها قبل توجيه الاتهام للآخرين
.