إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

14 يونيو، 2012

السلفية الجهادية


مرّت فتراتٌ متقطّعة من أعمال الجهاد واقعة يتقمّصها غير أصحابها، ويتاجرُ بها غيرُ أبنائها، وسبب ذلك عائدٌ إلى عواملَ منها: رضا الجماهير المسلمة عن هذا الجهاد، ومن أجل الرِّفعة والظّهور على أكتاف المجاهدين، فتسارع هذه التّنظيمات الطّفيليّة إلى تقمّص دور البطولة، وإظهار نفسها في موقع الرّيادة في هذا الجهاد، فترتفع الأرصدة الإعلاميّة، وبالتّالي ترتفع الأرصدة الماليّة، وحينئذٍ يصبح الجهاد في مأزق حقيقيّ، حيث يضرب المجاهدون ضرباً شرساً وذلك ليصبحوا تحت وطأة هؤلاء اللصوص وقطّاع الطّريق إلى الله تعالى، فتظهر الأمراض العجيبة، وتتكشّف النّفوس الخبيثة، ويقع الفِصام النّكد بين المجاهد الحقيقيّ والمموّل الخبيث (لص بغداد)، وأمثلة هذا كثيرة الوقوع وعديدة فمِن أفغانستان إلى فلسطين إلى البوسنة والهرسك إلى سوريا .. إلى .. إلى ..، ومن هذه العوامل كذلك: إرضاء القواعد التّحتيّة المتململة، فالإنسان المسلم الفطري السويّ تتوق نفسه فطريّاً إلى الجهاد، وإلى المشاركة في مواطن العبوديّة لله ضدّ الكفر بجميع صنوفه وأشكاله، فمن أجل تفريغ هذا المِرجل من بخاره الغاضب، فلا بدّ من بعض المنفّسات للتّفريغ الذّكيّ الخبيث، فتسارع الجماعة إلى تبنّي أعمال جهاديّة لتقنع القيادة قواعدها أنّها لم تغيّر الطّريق، أو لتعريف قواعِدها أنّ هناك فرقاً بين ما هو معلن من أجل الغطاء السّياسي، وبين ما هو مخفيّ حقيقيّ.

هناك جماعاتٌ طفيليّة ووصوليّة في هذا الباب معروفة لدى القاصي والدّاني، وهي تملك في خطابها نوعين من المضمون، نوع يتعاملُ مع الأفكار والمفاهيم بكثير من الشّرعيّة والأصوليّة، ونوع يتعامل مع الواقع بكثير من الميكافيليّة والثّعلبة.

فجماعةٌ ترى عدم شرعيّة الانتخابات الشّركيّة مثلاً ولكنّها لا تفتأ بل لا تتوانى في تأييد جماعات العمل البرلمانيّ، خاصّة إذا أخذت هذه الجماعات خطوات متقدّمة في الحضور الإعلاميّ، والوجود الجماهيريّ الشّعبيّ.

هذه نقطة على الجماعات السّلفيّة المجاهدة أن تحسمها منذ البداية، عليها أن تحسمها وجوداً وكوناً وذلك بقطع الأيدي والأرجل التي تحاول التّسلّق طفيليّاً على أسوار الجهاد السّلفيّ الواضح، وعليها أن تحسمه فكريّاً وذلك ببيان الفوارق الشّرعيّة بين هذه الجماعات الطّفيليّة وبين المجاهدين الموحّدين.

نعم في الجهاد السّلفيّ الواضح هناك قضايا لا يمكن أن يتحمّلها الطّفيليّ الوصوليّ، وإنّه وإن حاول الالتفاف الخبيث حيناً من الدّهر، فإنّه لا يستطيع أن يواصل بالشّوط إلى نهايته.

في الجهاد السّلفيّ ميّزات وخصائص عن عموم الجهاد في المفهوم العرفيّ لدى عوامّ النّاس ومن هؤلاء العوامّ قادة الحركات البدعيّة، وقادة الحركات الطّفيليّة الوصوليّة، ومن أهمّ هذه الفوارق هي:

صفة الجهاد وطبيعته ونوعه: حركات الجهاد السّلفيّ تقاتل في بلاد الردّة تحت راية واضحة، وكذلك تصف العدوّ وصفاً واضحاً، فهي تصف هذه الطّوائف المعادية أنّها طوائفَ ردّةٍ وكفر، لأنّها اجتمعت بقوّة وشوكة على أمرٍ مكفّر، أجمعت على كفره ملّة الإسلام، فنوع قتال هؤلاء الخصوم، وجنس هذا القتال، أنّه قتال المرتدّين، وهذا القتالُ له أحكامه الخاصّة التي تجتمع وتفترق عن قتال الكفّارِ الأصليين، وحين تقاتل هذه الطّوائف السّلفيّة المجاهدة تحت هذه الرّاية، فإنّها لا تفرّق في هذا القتال بين مرتدٍّ «دكتاتور» متسلّط، وبين مرتدّ «ديمقراطيّ» سِلميّ، فهي لا تفرّق بين قتال معمّر القذافي، المرتدّ الظّالم، وبين حسني مبارك (هذا إذا اعتبرناه قائداً ديمقراطيّا) فكلاهما في منهج هذه الجماعات السّلفيّة المجاهدة في الحكم سواء، وأنّهما مرتدّان، وليس لهما إلاّ السّيف، وبالتّالي لا حوار، ولا هدنة، ولا أمان، ولا عقود، لأنّ هذه هي الأحكام الشّرعيّة المستقرّة في قتال المرتدّين.

الجماعات الأخرى قد تحمل السّلاح حيناً، وقد تشجّع على حمل السّلاح حيناً، وقد لا تستنكر من حمل السّلاح ضدّ المرتدّين، هذا إن وجدت أنّ الحوار مع المرتد مرفوض من قِبَله لا من قِبَلها هي، لكن إن فتح المرتدّ باب الحوار، وكفّ عن الملاحقة الظّالمة، أو تشريد أفراد هذه الجماعة فإنّها تنقلب بغير علّة شرعيّة إلى موقف المؤيّد للنّظام والسّاكت عنه، والمانع القويّ لحصول الصّواعق الجهاديّة في هذا البلد.

الجماعات السّلفيّة الجهاديّة الموحّدة لا تفرّق بين صدّام حسين العراقيّ البعثيّ اليمينيّ، وبين حافظ أسد السّوريّ البعثيّ اليساريّ، فكلاهما في حكم الله سواء، وليس أحدُهما أولى بالقتال من الآخر، ولكن جماعات البدعة والوصوليّة لها رأي آخر.

الجماعات السّلفيّة الجهاديّة الموحّدة لا ترى فرقاً بين حكومة السّعوديين (آل سعود) المرتدّين وبين حكومة نجيب الأفغانيّ فكلاهما في حكم الله سواء، وليس أحدهما أولى بالقتال من الآخر، لكنّ جماعات البدعة الوصوليّة لها رأي آخر.

الجماعات السّلفيّة المجاهدة الموحّدة لا ترى فرقاً بين زروال الجزائريّ المرتد وحكمه ونظامه وبين الحسن الثّاني المغربيّ المرتدّ، فكلاهما في دين الله تعالى مرتدّ كافر، وأن حكمها في القَتل والقتال سواء، لكنّ جماعات البدعة والوصوليّة لها رأي آخر.

الجماعات السّلفيّة المجاهدة الموحّدة لا ترى فرقاً بين معمّر القذّافي المرتد جباراً متسلّطاً، وغير آبه بالحوار، ولا يفتح باب التّعدّديّة الحزبيّة، ولا بنشر الحريّة السّياسيّة، وبين معمّر القذّافي الذي يسمح بالتّعدّديّة الحزبيّة، والحريّة الديمقراطيّة، فكلاهما في حكم الله سواء، ليس لهما إلاّ القَتل والقتال، ولكن جماعات البدعة والوصوليّة لها رأي آخر.

الجماعات السّلفيّة المجاهدة الموحّدة لا ترى فرقاً بين شرطة عرفات تحت راية وقيادة عرفات وبين الجيش اليهوديّ، وشرطة اليهود إلاّ فرقاً واحداً وهو أنّ عرفات وحكومته وشرطته أشدّ كفراً فهم أشدّ حكماً من اليهود، لكنّ كلاهما له القتل والقتال، أمّا جماعات البدعة والوصوليّة لها رأي آخر.

الجماعات السّلفيّة المجاهدة لا ترى فرقاً بين المرتدّ الملك حسين حاكم الأردن وهو متسلّط ديكتاتور وبين الملك حسين وهو يأذن للإسلاميين!! بتشكيل أحزابٍ سياسيّة والوصول إلى قبّة البرلمان الشّركيّ، وأنّ الملك حسين مرتدّ في الأولى ومرتدّ في الثّانية وليس له إلاّ القتل والقتال هو وشرطته وجهاز مخابراته. أمّا جماعات البدعة الوصوليّة فلها رأي آخر.

فالرّاية والمقصد ونوع القتال يفرق بين جهاد الموحِّد، وجهاد الوطنيّ (الوثنيّ)، وجهاد المصلحة الموقوتة التي تتقلّب حسب السّياسات الجاهليّة، والنّظرات الذّاتيّة.

في الجزائر تزعم جماعتان الجهاد (أو لنقل بتغييب بعض الحقائق كالشّمس: إعلاميّاً)، جماعة اسمها «الجماعة الإسلاميّة المسلّحة»، وجماعة أخرى اسمها «الجيش الإسلاميّ للإنقاذ»، فكيف يستطيع المرء أن يفرّق بين جهاد الموحّدين وجهاد المبتدعة والوصوليين؟.

الجماعة الإسلاميّة المسلّحة تقول: نحن نقاتل حتّى نعيد الحقّ إلى نصابه، وأن نرجع الضّائع إلى أصحابه، والحقّ هو حكم الله تعالى وحكم المسلمين لأرض الجزائر وكلّ بلاد المسلمين، ولا نعترف فيما يقول النّاس ويدّعون: فنحن لا نعترف بالدّيمقراطيّة ولا بحكم الشّعب، ولا بدستوريّة القانون الوضعيّ، ونحن نقاتل قبل أن توجد الانتخابات ونقاتل أثناءها ونقاتل بعد إلغائها، فعلّة قتالنا لهؤلاء موجودة مع كلّ هذه الأحوال.

والجماعة الأخرى المزعومة إعلاميّاً تقول نحن نقاتل حتّى نعيد خيار الشّعب، ونعيد النّاس إلى المسار الانتخابيّ، فقتالُنا لمن سرق خيار الشّعب.

{فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن إن كنتم صادقين% الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}.

الجهاد الآن قد شرع في ليبيا، وقامت به حركة جهاديّة موحّدة سلفيّة، وصفّقت بعض الجماعات البدعيّة الوصوليّة لهذه الأعمال الجهاديّة، وسبب هذا التّصفيق أو المباركة أنّ القذّافي ديكتاتور متسلّط، لكن تعالوا غداً إذا فتح القذّافي باب الدّيمقراطيّة، وسمح بتشكيل الأحزاب وبقي القانون هو القانون، فماذا ستعمل هذه الجماعات؟ هذه الجماعات ستفصل كل فرد يحاول أن يشير إلى القذافي بكلمة فيها حُكمُه وأنّه مرتدّ وكافر.

ألم أقل لكم سابقاً: إنّ الإخوان المسلمون في الأردن جمّدوا عضوية فرد من أفرادهم قديماً لأنه توقّف في تكفير الملك حسين - مع أنّ حبل الودِّ والصداقة لم تنقطع بين الحزب والملك حسين - وهو نفس الشخص الآن مجمَّد من العضوية لأنه يرى كفر الملك حسين.

جماعة حماس في فلسطين على المسلمين أن ينظروا إليها من هذا الباب، فها هي تَسقط في لعبة الديموقراطية الكافرة، وتتنازل شيئاً فشيئاً.

فهذا فارق مهم في التّفريق بين جهاد الموحّدين السلفيين وبين جهاد المبتدعين الضالين، فليس مجرّد رفع راية الجهاد كافٍ لإدخال المرء في طائفة التّوحيد والجهاد، وهذا الأمر يوجب على الشباب السّلفي المجاهد أن يتوثّق لدينه وأن يتبيّن راية جماعته، ولا يجوزُ له أن يقاتل تحت راية عمية لا يدري أين تسير به، ففي يوم تسمّيه البطل المجاهد، وبعد حين تقذفه بأقبح الأوصاف وأشنعها.

وهذا الفارق الذي ذكرناه يعود إلى قضيّة رئيسيّة، بل هي أمّ القضايا في دين الله تعالى، هذه القضية هي فهم المرء للتوحيد، وفهمه لمنهج السّلف في الإيمان، فإن معرفة المرء للتوحيد وتبيينه له بشكل واضح جليّ يمنعه من الانزلاق في متاهات الجاهلية المظلمة، ويردعه من التنازل عن حق الله تعالى، فإنه يجوز للمرء أن يتنازل عن حقِّه، وهذا من باب الفضل، ولكن لا يجوز أن يتنازل عن حقّ الله تعالى، فالجماعة الموحدة المجاهدة تعفو عمّن ظلمها من المسلمين، وتتجاوز عن حقوقها، ولا توالي على أساس قرب الناس منها، ولا تعادي على أساس بعد الناس عنها، بل هي توالي النّاس على أساس محبّتهم لله، ومحبّة الله لهم، وتعادي على قواعد الملّة المحمّدية في البراء من أعداء الله تعالى، وهذا الأمر من أ شدّ الأمور وضوحاً في دين الله تعالى، وعند أصحاب النبيصلى الله عليه وسلم .

فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخروج على الحاكم إذا ظلم رعيته: ((أطع أميرك وإن جلد ظهرك وأخذ مالك))، فحقُّ الإنسان المسلم يتنازل عنه مقابل مقاصد الوحدة وجمع الشمل، ودرءً للفرقة وذهاب الريح، وقد أوجبت الشريعة الخروج على الحاكم إذا كفر بالله ((إلا أن تروا كفراً بواحاً)).

هذا هو دين الله تعالى، فعلّة القتال فيه عدم إيمان المشركين بالله، واجتماعهم بقوّة وشوكة على هذا الأمر {قاتِلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرِّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يَدينون دين الحقّ من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون}.

بهذا الأمر الجليِّ الواضح تكتَشِف الفارق، وهو أهمّ هذه الفوارق، بين جهاد الموحد السلفي وبين المبتدع الأصولي.

وهذا الأمر - وهو عدم تبيّن الناس لحقيقة الجماعات المقاتلة - يُحسَم من خلال إعلان جماعات الجهاد السلفيّ براءتها من جماعات البِدعة، ويوجب عليها أن تؤَصِّل نظرتها من خلال الرّؤى السلفيّة لواقع الجماعة البِدعيّة، وعليها أن تعلن ذلك ولا تُخفيه، وليس هناك من مصالح شرعيّة تمنع إعلان الفارق بيننا وبينهم.

بقي أمرٌ يتعلق بهذه النقطة، وهو وجود أقوام تسَربلوا بأثواب مُستعارة من السّلفية أو بشاراتٍ خادعةٍ لا حقيقة لها مثل أهل السنة والجماعة، وهؤلاء الأقوام قد يخفى أمرهم على المسلم العاديّ غير المتبصّر بحقّ هؤلاء المبتدعة، وبقليل من البحث ونور والبصيرة سيكتشف النّاس أنَّ عقول هؤلاء القوم ما زالت تعمل خارج الإطار السَّلفي، وأنها خرجت من البدعة مع بدعتها، ولكنَّ غلبةَ الأمّية على أمّتِنا منَعت الكثير من البشر من اكتشافهم.

نعم علينا أن ندرك ونفهم أنّه ما زال أبو الحسن الأشعري متكلماً.
الكاتب ابوقتادةالفلسطيني.